تراوحت المفاهيم الغربية عن الإله؛ من الصانع المتعالي الظاهر عن العاَلم عند (أرسطو)، إلى وحدة الوجود عند (اسبينوزا ). إلا أنه قد غلب على الفكر الغربي النزعة التأليهية؛ وهي الاعتقاد بوجود إله خالق مدبر للعالم، لا حدود لعلمه ولا لقدرته. وتتداخل المفاهيم المتعلقة بالله في الفلسفة مع ما يناظرها في الدين، مثل: طبيعة الصفات الإلهية وكيفية التعرف عليها، والعلاقة بين المعرفة والمنطق، والعلاقة بين إرادة الله وإرادة الإنسان. وتنقسم مصادر المفاهيم الغربية عن الله إلى: التجربة الدينية، الوحي، العقل. وقد خلق هذا تنوعًا في المفاهيم عن الإله. أما الوحي، فقد يكون تجاربًا داخلية قابلة للوصف أو غير قابلة للوصف كما عند الصوفية. وعادة ما ينظر إلى من يسلمون لسلطة الوحي أنهم أكثر المصادر دقة وتفصيلًا للمفاهيم الإلهية.
اليونانيون:
سعى اليونانيون لفهم الطبيعة الحقيقية للكون وأحداثه المتغيرة والثابتة؛ فقد التمس الفيثاغوريون النظام والثبات في الرياضيات، وأضفوا عليها طابعًا دينيًا. يرى (أفلاطون ) أن الله هو الكائن الأعلى المتسامي ذو الكمال المطلق، قد وهب العالمَ النظام والغاية. أما (أرسطو) فقد جعل الله هو الفاعل السلبيُّ لما يحدث من تغيير في العالم، حيث تتحرك كل الأشياء سعيًا للكمال الإلهي، والله هو الكائن الأعلى.
وقد رفض المسيحيون الأوائل الديانة اليونانية باعتبارها ديانة تحمل تصوراتٍ لا تليق بالله. وترى المسيحية - والتي تعتبر ديانة توحيدية - أن الله خلق العالم من العدم. وهنا ذهب (أوغسطين ) إلى أن الله عالم بكل شئ وقادر على كل شئ، وعلى الرغم من الصفات المتعدده، فإن الله بسيط على نحو فريٍد، وفي نهاية الأمر أكَّد (أوغسطين ) أن الله يحيا في الأعلى وهو الأقوى والأقوم والأخير، وبينما يرى (أرسطو) أن الموجود الأعظم يجب أن لا يعي سوى نفسه فقط، أما الرؤية المسيحية المعاكسة ترى أن الله يحب مخلوقاته حبَّا عظيمًا إلى درجة أنه تجسَّد في المسيح.
وقد ذهب (الفارابي ) وهو الأفلاطوني المحدِِّث الإسلامي، إلى أن الكليات تكون في الأشياء، وأنها لا توجد منفردة عن الجزئيات، وأن الأشياء ممكنة من حيث الوجود والعدم، وعليه فلابد أن يكون الله موجودًا لأنه الأساس لوجود جميع الأشياء، ومن خلاله تتولد المعرفة في البشر. وفرق (ابن سينا ) بين الله واجب الوجود وبين الموجودات الأخرى؛ فالله يجب أن يكون أزليًّا وبسيطًا بلا كثرة. أما (الغزالي ) فيرى أن الحواس والعقل عُرْضَةٌ للخطأ، وبالتالي لا سبيل إلى الحقيقة إلا من خلال الوجود الإلهي، ومنها ذهب إلى أن العالم يوجد فقط بمشيئة الله وحده؛ فلا يمكن أن يكون العالم مستقلًّا بذاته.
ونذهب لمفهوم آخر عن الله قال به (ابن رشد )، فقد أضاف أن العقل الكلي يصدر من الله، ويتشارك البشر في هذا العقل الكلي، وأن عقول العوام تفهم الرموز الدينية بطريقة حرفية، وهذا ما يؤدي إلى فهم شيئًا على أنه صوابٌ فلسفيًّا في الوقت الذي يكون فيه غير صحيح من الناحية اللاهوتية، والعكسُ بالعكس.
وفي عصر النهضة، لم يَعُدِ الإيمان يستند على العقل، ولم يعد العقل يخضع لإشراف الإيمان، وشكَّل هذا التطور مفهوم الله ومفهوم الأولوهية؛ فإذا كان البشر لا يمكنهم الوصول إلى الله دون مساعدة. فالله إِذَنْ هو الذي يجب عليه أن يختار بعضًا ليكونوا معه على الحق. وهذا ما فتح الباب لأسئلة لاهوتية وفلسفية جديدة بخصوص العلاقة بين الإنسان والإرادة الإلهية: فكيف يمكن أن يكون الناس أحرارًا ومسؤولين عن أفعالهم، إذا كان القدر في نهاية المطاف يحدد المصير؟.
وقد أجاب (جون كلفن ) -مؤسس الطائفة الكلفينية- بأنه هناك فرق بين إرادة الله القابلة للمقاومة وإرادته الغير القابلة للمقاومة؛ والمراد هنا أن الأخيرة تكون من الخيارات الإنسانية التي أذن بها دون أن تتعارض مع إرادته الكاملة، كما أكد على ذلك (مارتن لوثر ) موضّحًا أنه توجب على الله أن يتجلى ويفصح عن نفسه من خلال الوحي والفعل، ويجب على الإنسان أن يقاوم إغراء تجاوز حدود ما أوحي إلينا، خاصة أن الله لم يُوح إلا بما نحن في حاجة إلى معرفته فقط، ولم يوُح إلينا بكل ما نودُّ معرفته.
في عصر التنوير، بدأت الفلسفة تنفصل عن الدين؛ حيث تحرك كل منهما في اتجاه معاكس للآخر فيما يتعلق بالعقل؛ باعتباره المصدر الرئيس للمعرفة. كما تصاعدت النزعة الربوبية: وهي التصور الذي يرى أن العقل وحده وبدون أن يكون في حاجة إلى وحي أو إلهام قادر على الوصول إلى المبادئ الأساسية الصحيحة بين الدين والأخلاق. يرى (اللورد هربرت ) أنه ليس ثمة إله إلا واحد أعلى يجب علينا عبادته؛ وذلك من خلال العيش وَفْقًا للأخلاق الفاضلة، ويجب على الناس أن يتوبوا، وأن الله يجازي على فعل الخير، ويعاقب على فعل الشرِّ، فالرُّبوبية إذن تذهب إلى أن الله خلق العالم، ولكنه لم يتدخلْ بعد ذلك، واعتبرت المعجزات والأدعيةٌ لا حاجة لها.
وقد سعى (ديكارت ) إلى تأسيس كل المعارف على أرضيِة لا يمكنه الشك فيها، وهي أنه كائن مفكر، ويتوقف نجاح منهجه بصورةِ أساسية على خيرية الله، وقدرة الله المطلقة تستلزم أن الله قادرٌ على كل شئِ بما في ذلك المستحيل العقلي. أما (جون لوك ) فذهب إلى أن الوحْي يوحي لنا عن الله ما لا يمكن معرفُته استقلالًا بالعقل وحده. ورأى (اسبينوزا ) أن الفلسفة يجب أن تبدأ من الله، لا من النفس؛ ذلك لأن الله هو الأول في ترتيب الأشياء، ولا يمكن أن يوجد إلا كل واحد أو جوهر واحد للأشياء، وليست هناك حاجة لإثبات وجود الله فوق الحاجة لإثبات وجود الجوهر الواحد؛ فالله بالنسبة إلى (اسبينوزا ) ليس هو العلة الخارجية الموجودة للعالم، ولكنه مع ذلك العلة الدائمة الذاتية للعالم.
وفي الفلسفة الحديثة، رفض (كانط) أيضًا أن تكون المعرفة التجريبية طريقًا لمعرفة الله، بل أكَّد على أن الله لا يمكن البرهنةُ على وجوده على الإطلاق، ولا يمكن أيضًا إثبات عدم وجوده، ورافق ذلك تحول من التأكيد التنويري على موضوعية معرفة الله كمهندس متعاٍل إلى التأكيد على الرومانسي على التجربة الشخصية مع الله كروح حال في كل شئٍ، وهذا ما أكده (ألبرت ريتشل) على أن الله مصدر الحرية والأخلاقية والقيم.
بينما اعتبر (هيجل) فكرة الله أمْرًا محيرًا بالنسبة إلى عقليتنا، فإن الله بالنسبة إلى (هيغل ) هو جوهر العقلانية، وعلى هذا النحو، فإن أصل بنية ذلك العقل (أو الروح ) قابل لأن يُعرف، لقد تحدي (هيغل ) الآراء التي كانت سائدة منذ أرسطو وهي أن الله والحقيقة لا يتغيرانِ، وأن المنطق يتعامل مع الثنائيات بمعزل عن بعضها. لقد آمن (هيغل ) أن حقيقة الواقع منقسمة إلى ثنائياٍت ومتناقضٍات، ولهذا السبب رفض فكرة (شيلينج ) أن المطلق لا يتمايز؛ ولأن الروح عند (هيغل) أكثر من تكون مادة؛ فقد رفض تصوُّر (اسبينوزا): "أن المطلق هو الجوهر وحده" فالنسبة إلى (هيغل) فهو وعْي متطور، فالله يأتي إلى الوعي الذاتي من خلال وعي العقل الإنساني به.
أما (شوبنهاور ) فقد قال بإمكان معرفة الشئ في ذاته والشيء في ذاته هو الإدارة، لقد رفض (شوبنهاور ) الاعتقاد التفاؤلي (لهيغل ) بخصوص انتصار العقلانية في نهاية المطاف، قال (فيورباخ ): " إن الناس هم الذين خلقوا مفهوم الله وفرضوه على الواقع"، وجعل (كارل ماركس ) الدين شيئًا مختلفًا وأداة للقمع (أفيون الشعوب )، فالناس عنده خلقوا الدين ليواجهوا به المعاناة الناجمة عن عدم المساواة في المجتمع.
أما (نيتشه) فقد رفض الإيمان بالله لضعفه وعدم قابليته للبرهنة، ورأى أن عصره يشهد موت الإله كقوة ثقافية، ومع ذلك فإنه لم يعتقد أن الله مات بمعنى أنه كان موجودًا من قبل ثم توقف عن الوجود، ولكن بمعنى أن المجتمع الحديث اعتبر فكرة الله غير ضرورية. واعتبر( فرويد) الله إسقاطًا للعقل، نتاجًا للتفكير الرغبائي؛ فقد وَجَدَ العقل أنه من الأسهل في التعامل مع العالم أن يضفي عليه صفاتًا بشرية.
ومن خلال ما سبق نرى أن (فيورباخ )، (ماركس )، (نيتشه ) و(فرويد ) وغيرهم لم يحاولوا أن يدحضوا الاعتقاد بالله دحضًا عقليًّا، بل سعوْا بدلا من ذلك، لبيان الأصول والدوافع الشخصية للمؤمنين.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان